سنة 1 علوم إنسانية/جذع مشترك
مقياس: تاريخ
الجزائر المعاصر 1
المحاضرة 03: الحملة الفرنسية على الجزائر
المحاضرة
الثالثة:
الحملة الفرنسية على الجزائر 1830
- تمهيد:
- يعتبر الاحتلال الفرنسي للجزائر من بين الصدمات الكبرى التي تلقاها العالم الإسلامي في القرن 19م، فبعد قرون من الشدّ والجذب بين العالمين الشرقي والغربي ها هي الحملات الصليبية الأوروبية تحاول ان تغزو العالم الإسلامي اشباعا لمطامحها الامبريالية، واستكمالا لحروب الاسترداد خاصة بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492، لذلك وبعد تخطيط محكم ومشاريع فرنسية عدة قدمت لاحتلال الجزائر استطاعت أخيرا ان تنجح في ذلك، فيا ترى ماهي خلفيات هذا الغزو وأسبابه؟
- جذور العداء الفرنسي للجزائر:
- إن العداء الفرنسي للجزائر كان منذ أواخر القرن 13 م عندما فكر ملك فرنسا لويس التاسع احتلال بلدان المغرب، فقام بحملة صليبية على تونس 1270م، وقد أعيد احياء الفكرة في عهد شارل العاشر وذلك عقب معركة «ليبانت» البحرية مع الدول الأوروبية في 9 أكتوبر 1571 والتي ألحقت اضرارا جسيمة بالأسطول البحري الجزائري.
- تأزمت العلاقات الفرنسية الجزائرية مع بداية القرن 17 بالرغم من العلقات التي كانت مبرمة بين الطرفين، وقد ازداد العداء خاصة في عهد لويس الرابع عشر(1643-1715) حيث تمت عملية قصف مدينة الجزائر في عهده عدة مرات مثل سنوات 1660 و183 و 1688 وذلك على خلفية قضية الأسرى المسيحيين في الجزائر، ومهاجمة السفن الجزائرية لسفن فرنسية في البحر المتوسط.
- صدام العقيدة والحضارة:
- كان الصراع قائما بين الإسلام والمسيحية منذ فجر الفتوحات التي حققت انتصارات باهرة ووصلت إلى غاية الاندلس، لذلك بقي الحقد الدفين اتجاه الإسلام والمسلمين من طرف الصليبيين قائما.
- إن التعاون الذي حدث بين الإمبراطورية العثمانية والدول الإسلامية في المشرق والمغرب على غرار الجزائر مثلا، قد دفع بالأمم المسيحية إلى التعاون للهجوم على المسلمين، لذلك ترسخت فكرة القضاء على دار الجهاد أو دار الإسلام.
- محاولة رد الاعتبار للمسيحية وإنقاذ المسيحيين من أيدي القراصنة الجزائريين، ففرنسا لطالما اعتبرت نفسها حامية الكاثوليكية.
- عزمت فرنسا لاستعادة مجد روما والكنيسة المسيحية الضائع في افريقيا، ففي 2 مارس 1830 لما بادر الفرنسيون بالاستعداد للحملة على الجزائر خاطب الملك شارل العاشر في خطاب العرش وقال: « إن العمل الذي سأقوم به(احتلال الجزائر) ترضية للشرف الفرنسي، وسيكون بإعانة العلي القدير لفائدة المسيحية كلها».
- صرح الجنرال بيجو قائلا: « إن أرض الجزائر أرض خصبة لزرع المسيحية...أما العرب فلن يموتوا ملكا لفرنسا إلا إذا أصبحوا مسيحيين جميعا» وفي هذا الصدد تجهزت الحملة العسكرية الفرنسية بحوالي 60 قسيسا وقد صرح القائد دي برمون بقوله: «إنكم أعدتم معنا فتح الباب للمسيحية في افريقيا وآمل تتبع قريبا الحضارة التي انطفات في هذه الربوع».
- الدّوافع السياسية والعسكرية لاحتلال فرنسا للجزائر:
- تعاظم هيبة الجزائر في ظل الخلافة العثمانية، خاصة مع قوة أسطولها البحري وتحكمها في تجارة البحر المتوسط وانشغال العثمانيين بالصراع على الحكم والتنافس من اجل المناصب والغنائم التي تدخل من عائدات الحرب مع أوروبا مما أجج الحقد الأوروبي.
- السياسة العثمانية الداخلية في الجزائر المعتمدة على العزلة، وعدم اندماج المجتمع التركي بين أوساط المجتمع مما أدى إلى ظهور الفوارق الطبقية، وهو ما أدى إلى تمرد الرعية وعدم تضامنهم مع الحكام الاتراك وهو ما هدد الحكم ونظام الدولة:
- محاولة فرنسا ارجاع سمعتها التي تضررت جراء حملة نابليون وذلك عن طريق احتلال الجزائر وحتى بعض الدول الأوروبية على غرار بريطانيا والنمسا سعت إلى دفع فرنسا إلى الاهتمام بمناطق أخرى من اجل ان تحافظ هذه الدول على مصالحها في أوروبا ومناطق نفوذ أخرى.
- محاولة فرنسا تعويض خسائرها في أوروبا وتعويض حملتها الفاشلة في مصر ، وكذا فقدانها لمستعمرات في الهند و أمريكا الشمالية و السينغال وغرب افريقيا عقب حرب السبع سنوات ضد بريطانيا (1756-1763).
- الأطماع الفرنسية في الاستيلاء على افريقيا حيث صرح النائب البرلماني الفرنسي لويس بلانكي قائلا: « من المستحيل أن نتخلى عن الجزائر الأرض التي سقيناها بدمائنا..إننا امتلكنا أكثر من 800 كلم من السواحل القريبة من فرنسا وإيطاليا واسبانيا واليونان وغير بعيد عن جبل طارق ومالطا»
- تم الاتفاق من طرف الدول الأوروبية على القضاء على دار الجهاد في مؤتمر فيينا عام 1815، ومؤتمر اكس لاشابيل عام 1818 .
- في أوت 1815 تم تعيين «بيار دوفال» قنصلا فرنسيا في الجزائر حيث بعثت قضية الديون من اجل التمهيد للمشروع، وعليه فقد دخلت قطعة بحرية فرنسية انجليزية تحت قيادة الأميرالين فريمونتل وجوليان إلى الجزائر في 5 سبتمبر 1819 لينقلا إلى الداي حسين ماتقرر في مؤتمر اكس لاشابيل وخاصة فيما تعلق بما سمته أوروبا اللصوصية وتجارة العبيد، وتحرير الاسرى الأوروبيين الموجودين بالجزائر.
- لم يعر الداي حسين لهذه القرارات اهتماما وأكد أنه له حرية التصرف، ورفض امضاء الوثيقة التي قدمت له.
- الدوافع الاقتصادية:
- أصرت فرنسا منذ القرن 16 ان تقيم علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع الجزائر، وقد استغلت المرجان بالقل والقالة و استنادا على الامتيازات الممنوحة لها، استطاعت فرنسا سنة 1561 تأسيس أول شركة لاستثمار المرجان تسمى شركة «لانش» ، كما تحصلت على موافقة الداي حسان باشا(1557-1567) لإنشاء المؤسسة الفرنسية الافريقية والتي أصبحت قاعدة عسكرية أكثر منها تجارية.
- من 29مارس 1619 إلى 5 جوان 1830 عقدت 75 معاهدة تخدم مصالح فرنسا في الجزائر، ولعل الاطماع التوسعية الفرنسية هي التي كانت تحدث توثرات في العلاقات بين الجزائر وفرنسا خاصة لما كانت الشركات الفرنسية كشركة «لنش» تقوم بأعمال استفزازية سواحل عنابة والقل وتتصرف وكأنها سيدة البلد باختراقها لقوانين الاتفاقيات.
- اعتقدت فرنسا ان احتلالها للجزائر سيمكنها من الاستيلاء على 150 مليون فرنك توجد في خزينة الداي.
- اتفاق الرأسماليين الفرنسيون ورجال الأعمال مع ر جال الجيش من اجل توسيع نفوذهم والبحث عن أسواق جديدة وموارد خام.
- تحمس التجار والفلاحين والاقطاعيين إلى احتلال الجزائر نظرا لأراضيها الخصبة والواسعة وخيراتها المعدنية.
- قال الجنرال بيجو في هذا الصدد: «ستطلب الجزائر ولمدة أطول المنتوجات الصناعية من فرنسا بينما تستطيع تزويد فرنسا بكميات هائلة من الموارد الأولية».
- الثورة الصناعية في فرنسا بداية القرن 17م زاد في اطماعها اتجاه الجزائر وفي هذا الصدد صرح وزير الحرب الفرنسي كليرمونتونير سنة 1827 وقال: «توجد مراسي عديدة على السواحل الجزائرية الطويلة التي تعتبر الاستيلاء عليها مفيدا لفرنسا، وتحوي أراضي الجزائر مناجم غنية بالحديد والرصاص وتزخر بكميات هائلة من الملح والبارود، كما توجد في سواحلها ملاحات غنية..»
- محاولة التخلص من الديون العالقة، وهو ما عرف بقضية التاجران اليهوديان " بكري وبوشناق" اللذان كانا يقومان بدفع مستحقات ما اشترته فرنسا من الجزائر نيابة عنها، بعدما كانت تشتري فرنسا احتياجاتها مباشرة من الموانئ الجزائرية، وعندما قام الداي حسين بالمطالبة بثمن القمح اتفق دوفال مع التاجرين اليهوديين على توقيف الدين.
- النمو الديموغرافي الفرنسي بحيث وصل 32 مليونا عام 1830 وهو ما دفع لازدياد المطالب والاحتياجات والبحث عن مناصب العمل والأراضي الزراعية الخصبة.
- المشاريع الفرنسية لاحتلال الجزائر:
التجسس الفرنسي على الجزائر:
- بعد حصار دام ثلاث سنوات جهّز الملك الفرنسي شارل العاشر حملة قوامها من 37000 إلى 67000 جندي و675 سفينة بين شراعية وبخارية، وانطلق الأسطول نحو سواحل الجزائر.
- نزلت القوات الفرنسية بميناء سيدي فرج بتاريخ 14 جوان 1830 بقيادة الجنرال دي بورمون على رأس جيش افريقيا الفرنسي ، وقد تم التخطيط لاقتحام قلعة مدينة الجزائر من الجهة الخلفية.
- قبل رسو الأسطول قامت السفن بإطلاق القذائف على مئذنة مسجد سيدي فرج فدمّرتها، ونزل الجنرال بيرتوزان مع الفرقة الأولى للمشاة بميناء سيدي فرج.
- قام الداي حسين بجمع جيش من الجنود الانكشاريين كما قام باستقدام فيالق من دار السلطان ومن بايلكات الشرق والغرب والتيطري.
- وضعت هذه تحت قيادة "الآغا إبراهيم" بتعداد بلغ ما بين 30.000 و50.000 جندي، وغالبهم لم يكن مهيا أحسن تهيأة لمقاتلة الفرنسيين المدعمين بالأسلحة.
- تقدم الفرنسيون نحو شبه جزيرة سيدي فرج الواقعة غربي مدينة الجزائر معتمدين على دراساتهم وخطط جواسيسهم بان تلك المنطقة هي الأضعف، واستحوذوا على "البرج التركي«، وقد قاموا بالقضاء على فرقة من حراس الساحل العاصمي.
- أهم الكتب والمراجع المعتمدة:
- عمار بوحوش، التاريخ السياسي الجزائري من البداية وغلى غاية 1962،دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1997.
- صالح فركوس، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر 1830-1925، مديرية النشر لجامعة قالمة، 2010.
- أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية ، الجزء 1، دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1992.
- رامي سيدي محمد، قراءة في خلفيات ودوافع الاحتلال الفرنسي للجزائر وتونس، مجلة القرطاس، العدد 7، جانفي 2018، ص ص 175-200. (مقال).
ملاحظة :
هذا المقال مختصر يحتوي على اهم النقاط المتعلقة بهذه المحاضرة وعليه فإن الطالب يمكن ان يستزيد في الموضوع انطلاقا من المصادر والمراجع.
من اعداد: د. ابراهيم بن عبد المومن
استاذ التاريخ - جامعة أم البواقي