السبت، 22 يناير 2022

الدولة الموحدية : مقال للمراجعة

الدولة المــوحـديـة



ظهور المهدى بن تومرت:
  •          لم تـنعـم «دولة المـرابـطيـن» بــالهـدوء والاستقرار منذ ظهور الداعيـة «مـحمـد ابـن تـومـرت» عــلى مسرح الأحداث، وقد نشـأ «ابن تومرت» نشـأة دينيـة بقبيـلة «هرنمـة» إحدى قبائل المصامدة، ولكن ما تلقاه مـن عــلوم فــى وطـنه لم يَرْوِ ظـمــأه، فسـافر إلى المراكز الثقـافيـة المشهورة بـالعـالم الإسـلامـى، وبدأ رحلاته إلى «الأندلس» فى مطلع القرن السادس الهجرى، ثم إلى المشرق مارَّا بالإسكندرية، ومنها إلى «مكـة» ثم إلى «بغداد» حيث التقى هناك بأكابر العلماء أمثال «أبى بكر الطرطوشـى»، واستغرقت رحـلته فى طلب العلم نحو خمسة عشر عـامًا مكنته من التزود بقدر كبير من الثقافة والمعرفة، وتعرُّف أحوال العالم الإسلامى، ومدى انقسام المسلمين وفرقتهم بالمشرق. وبعد أن عـاد إلى «المغرب» بدأ دعوته بمدن المغرب محـاولاً إصـلاح الأوضــاع الفــاسـدة وتـغيـيرهــا. فـوجـدت دعـوتـه قبولاً وترحيبًا من الجمـاهير، ورفضًا شديدًا من الحكـام؛ إذ رأوهـا خطرًا يهدد مصالحهم ومراكزهم.
  • والتـقـى «ابن تومرت» خـلال هذه الرحـلة بعبد المـؤمن بن عـلى الذي أصبح من أخـلص تـلاميذه، وصاحبه فى كل مكان يذهب إليه، ثم دخل «ابن تومرت» العـاصمة «مراكش» فى منتصف ربيع الأول سنة (515ه=1121م)، وقـام بدوره فـى الوعظ والإرشـاد، واعترض عـلى سيـاسـة الدولة فــى بـعض الأمور، فوصـل خبره إلى الأمير «عـلى بن يوسف» الذى استدعاه، وجمع كبار العلماء والفقهاء لمناظرته. وانتهـى الأمر بطرده من العـاصمـة خشية التأثير على العامة وإضعاف مراكز الفقهـاء. وكـانت الحصـافة السياسية تقتضى سجن هذا الداعية أو التـحفـظ عــليه لخطورته عـلى الدولة، وهو مـا تحقق عقب مغـادرة «ابـن تـومـرت» «مراكش»، إذ أعـلن عن نيـاته فـى مواجهـة السـلطـة الحــاكـمـة، وخـلعه الأمير «عـلى بن يوسف»، وبـايعه مَن حوله إمـامًا للدعوة الجديدة فـى سنـة (515هـ/ 1121م)، واتخذ من مدينة «تينملل» مـقرا له، ومـركـزًا لدعـوتـه، وشـرع فــى تـحقـيق أهدافه السيـاسيـة والدينيـة لإقـامة خلافة إسلامية بالمغرب، ولم يدخر فى ذلك وُسعًا ولا وسيـلة إلا استغلها، وعمد إلى نشر دعوته بين السذج، وألَّف لهم فى التوحيد والعقيدة بـلغتهم البربريـة حتـى يسهـل عليهم التعلم، ويسهل عليه السيطرة عليهم، ومن ثم باتت له الكلمة العليا فى كل شئونهم.
  • وفاة ابن تومرت [524هـ/ 1130م]:
  • شــارك «ابـن تـومـرت» فــى الكفـاح المسـلح ضد «دولة المرابطين»، وتـذكـر المـراجـع أنـه اشـترك فــى تـسع غـزوات، وكــانـت مـعركـة «البحيرة» التـى أصيب فيهـا الموحدون بالهزيمة هى السبب الرئيسى فــى خيبـة أمـل «ابن تومرت» ومرضه؛ حيث قتـل فيهـا عدد كبير من أتباعه، ولكن بقاء تلميذه ومساعده «عبد المؤمن بن على» على قيد الحياة كان سببًا فى تخفيف هذه الصدمة، ومع ذلك لزم «ابن تومرت» داره، واشتد عـليه مرضه، وفـارق الحيـاة فـى سنة (524هـ/ 1130م)، وخلَّف وراءه حربًا مشتعلة على أرض «المغرب الأقصى» .  
  • عبد المؤمن بن على:
  • حمـل «عبد المـؤمن» أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه، وشُغل بتنظيم شـؤون المـوحـدين، مدة عـام ونصف العـام، ثم شرع فـي الكفـاح ضد المرابطين فـى منطقـة «الأطلس» جنوبى «مراكش» فى «وادى درعة» و«بــلاد السـوس» و«بـلاد جـاحـة» القريبـة من «تينمـلل»، ثم استولى المـوحـدون عــلى «مـراكـش» عــاصـمـة المرابطين في سنـة (541هـ/ 1146م)، بعد كفـاح دام أكثر من عشر سنوات كـان النصر فيهـا حليفًا للموحدين.
  • وقـد نجح «عبد المـؤمن» فـي إحكـام قبضته وسيطرته عـلى «المغرب الأقصـى» بعد سقوط دولة المرابطين بسقوط عـاصمتهم «مراكش»، ثم وجه اهتمـامه إلى الشرق، وبعث بحمـلاته المتتـابعة التى وصلت حتى «طـرابــلس» بــإفـريـقيــة، فـســاعـد هذا النصر عـلى تحقيق الوحدة السيـاسيـة للمغرب الإسلامى، وتلقب «عبدالمؤمن» بلقب خليفة، واتخذ من «مراكش» عـاصمـة للخـلافـة، ثم شرع في تجهيز حملة كبيرة لدفع النصـارى عن مدن «الأندلس» فـي سنـة (556هـ/ 1161م)، إلا أن مرضه حال دون إتمام هذه الحملة، ومات في سنة (558هـ/ 1163م).
  • يوسف بن عبد المؤمن:
  • بويع «يوسف» في سنة (558ه= 1163م)، ليكون خلفًا لوالده. ومـا إن استقر فـي العـاصمـة حتى واجهته ثورة «مرزدغ الصنهاجى» بجبـال «غمـارة»، فنجح فـي القضـاء عليها وتفريق أعوانها، ثم أمر بقتل «مرزدغ»، وحمل رأسه إلى العاصمة «مراكش». ووجـه «ابـن عـبد المــؤمـن» جُلَّ جـهوده إلى دعـم ســلطــة المـوحدين بـالأندلس، وبعث بـالحمـلات المتتـابعـة إليها، وخرج على رأس إحداها فـــي سـنـــة (566ه= 1170م)، لتــأمـين ثـغور «الأنـدلس» وضـبطـهــا وإصـلاحهـا، ثم خرج فـي سنة (579ه= 1183م) على رأس حملة كبيرة إلى «الأنـدلس» لغـزوهـا، إلا أنه أصيب بسهم عند أسوار «شنترين»، فـأسرع الجند بحمـله والعودة به مصـابًا إلى «مراكش»، فقضـى نحبه في سنة (580ه= 1184م).
  • المنصور الموحدي:
  •        ولى «يعقوب بن يوسف بن عبد المـؤمن» خلفًا لوالده في سنة (580ه= 1184م)، ولقب نفسه بـالمنصور، وتوزعت جهوده العسكرية في أكثر من ميدان؛ حيث قامت ثورة بزعامة «الجزيرى» الذى أخذ يدعو لنفسه بـين القبـائـل فـي سنـة (585ه= 1189م)، فقضـى عـليهـا «المنصور» وقتل زعيمها، ثم قامت ثورة أخرى ببلاد «الزاب» بزعامة رجل يدعى «الأشــلّ» فــي سنـة (589هـ = 1193م)، فكـان مصيرهـا الفشـل مثـل سابقتها.
  • أمــا ثـورة «بنـي غـانيـة»، التـي استهدفت إحيـاء «دولة المرابطين» والدعـاء للخـلافـة العبـاسيـة عـلى المنـابر بـإفريقيـة، فكـانت الخطر الحـقيـقــي الذي هدد «دولة الموحدين»، فوجّه «المنصور» إليهـا كـل جهوده للقضـاء عـليها، وعلى الرغم من تكرار المحاولة فإنه لم ينجح في القضاء عليها نهائياًّ.
  • وقـد أولى «المنصور» «الأندلس» اهتمـامه وعنـايته، ودخـل فـي عدة معـارك مع الإفرنج؛ كـانت أبرزهـا معركـة «الأرك» في سنة (591ه= 1195م)، تـلك التـي أوقفت زحف النصارى، وزادت من هيبة الموحدين ومكـانتهم بـالشمـال الإفريقـي، ثم أصيب المنصور بوعكة صحية أدت إلى وفاته في سنة (595هـ = 1199م).
  • الناصر الموحدى:
  •       تولى «النـاصر أبو عبد الله محمد بن يعقوب» خـلفًا لوالده «المنصور»، فحدثت فـي عهده بعض التطورات السيـاسيـة والعسكرية التي انتقلت بـدولة المـوحـديـن مـن مـرحــلة القـوة والسـيـادة إلى مرحـلة الانهيـار والسقوط؛ حيث تمكن فـي بدايـة حكمه من القضـاء عـلى ثورة «بنـى غـانيـة» بـإفريقيـة التي دخلها في سنة (598ه= 1202م)، وعاد منها فـي سنـة (604ه= 1207م)، بعد أن ولى عـلى «إفريقيـة» «أبا محمد عبد الواحد بن أبـى حفص» أحد أشيـاخ الموحدين، فعكف «ابن أبـى حفص» عـلى معـالجـة شئون «إفريقية»، ودعم سلطان الموحدين بها، إلا أن ولايــة «أبــى حـفص» كــانـت البدايـة لقيـام «دولة الحفصيين» بتونس؛ حيث استقل أبناؤه - بعد ذلك - بها وأسسوا ملكًا مستقلاً. وقد فُجع الموحدون بهزيمـة قـاسيـة بـالأندلس فـي معركـة «العقاب» التـي راح ضحيتهـا عدد كبير من الجند، ممـا أضعف «دولة الموحدين» وأفـقدهـم هـيبـتهـم، وأُصيب «النـاصر» بـالمرض، وتوفـى فـي سنـة (610ه= 1213م).
  • وقد عرف الانهيار والضعف طريقهما إلى «دولة الموحدين» عقب وفاة «النــاصـر»، ودخــلت الدولة مـرحـلة من الفوضـى، والصراع بين أفراد البـيت المـوحـدى، فـضــلاً عـن انـدلاع الثورات والقـلاقـل في أمـاكن متعددة، وظـل هذا حـالهـا حتى سنة (668ه= 1269م)، التي قتل فيها «أبـو دبـوس» آخر خـلفـاء الموحدين أمـام أسوار العـاصمـة «مراكش» التـي دخـلهـا «المرينييون» وقضوا على «دولة الموحدين». وقد تولى عقب وفاة «الناصر» عدد من الخلفاء الضعاف، هم:
  • 1 - أبو يعقوب يوسف الثاني المستنصر بالله [611- 620ه].
  • 2 - أبو محمد عبد الواحد المخلوع [620- 621ه= 1223- 1224م].
  • 3 - أبو محمد عبد الله العادل [ 621 - 624هـ = 1224- 1227م ].
  • 4 - المأمون أبو العلاء إدريس ابن يعقوب المنصور [624- 630ه= 1227- 1233م].
  • 5 - أبو محمد عبد الواحد الرشيد [630 - 640ه= 1233- 1242م].
  • 6 - أبـو الحـسن عــلى السـعيـد المـقتـدر بــالله [640 - 646ه= 1242 -1248م].
  • 7 - أبو حفص عمر المرتضى [ 646 - 665هـ = 1248 - 1267م ].
  • 8 - أبـو العـلاء إدريس الثـانـي (المعروف بـأبـي دبوس) [665 - 668ه=1267 - 1269م].
  • العلاقات الخارجية:
  • انحصرت عـلاقـات الموحدين الخـارجيـة فـي جبهتين همـا: «الأندلس»، و«الخلافة العباسية».أمـا «الأندلس»، فقد استولى عـليها الموحدون مع غيرها من المدن من المـرابـطيـن، وســاروا عــلى نـهج مـن سـبقـهم فـي التصدي لعدوان النـصـارى، وأعدوا الحمـلات، وخـاضوا المعـارك من أجـل تحقيق هذا الهـدف، ولكـن هـزيـمتـهم فــي مـعركـة «العقـاب» فـي عـام (609ه= 1212م)، كـانت بدايـة انحسـار نفوذهم عـلى أرض «الأندلس»، ومن ثَم بدأت القوى النصرانية تحقق انتصاراتها حتى زالت «دولة الموحدين».
  • وقـد اخـتــلف مـوقـف المـوحـديـن مـن الخــلافـة العبـاسيـة عن موقف المـرابطين؛ حيث لم يعترف الموحدون بـالعبـاسيين، واعتبروا أنفسهم خـلفـاء، وأن مركز الخـلافـة مدينة «مراكش»، وليس «بغداد»، ودعموا خـلافتهم بـالادعاء بأن «ابن تومرت» و«عبد المؤمن» من نسل الرسول عن طريق «الأدارسـة»، واتخذوا اللون الأخضر شعـارًا لهم كي يظهروا ميلهم إلى الدعوة العلوية، وتشبهوا بالرسول في تصرفاته وأفعاله.
  • الأوضاع الحضارية في دولة الموحدين:
  • أولا: السلطة العليا في البلاد:
  •        عمد ابن تومرت تنظيم أصحـابه فى نظام إدارى معين، وعلى قمة هذا التـنظـيم الإدارى هـيئــة العـشرة التـى تختص بـالعظيم من الأمور، ولم يـتركـهم «ابـن تـومـرت» إلا وقد عهد إلى «عبد المـؤمن بن عـلى» أن يتولى خلفًا له قيادة الموحدين.
  • وقد بويع «عبد المؤمن» بيعتين: بيعة خاصة، وبيعة عامة، أما الخاصة فـكــانـت عـقب وفــاة «ابن تومرت» (524ه= 1129م)، واقتصرت هذه البيعة على أهل الجماعة. وأما العامة فكانت في سنة (527ه= 1132م) على أرجح الأقوال. وقد اتخذ خـلفـاء الموحدين الوزراء لمعاونتهم في إدارة شئون البلاد، وأصـبح للخــليـفــة وزير أو أكثر، وكـان اختيـار الوزير يتم عـادة من الأسرة الحاكمة أو من أسر وقبائل معينة، ثم أصبح الوصول إلى هذا المـنصـب يـتم وفقًا لصفـات وشروط يجب أن تتوافر فيمن سيقع عـليه الاختيار لهذه المكانة.
  • وقد تولى عدد من أفراد أسرة الخلافة منصب الوزارة، منهم: «عمرو» ابن الخـليفـة «عبد المـؤمن»، وهو أول وزير من أسرة الخلافة، و«أبو حفص بن عبد المؤمن» أخو الخليفة «يوسف». واختير عدد من الوزراء من أسرة «بنـى جـامع»، وقبيـلة «هنتـاتـة»، وقـبيــلة «كـومـيـة»، وأشهر وزرائهم عـلى التوالى هم: «أبو العـلاء إدريـس بـن إبراهيم بن جـامع»، و«أبو عمر بن أبـى زيد الهنتـانـى»، و«عبدالسلام بن محمد الكومى». 
  • وهناك وزراء أهَّلتهم صفاتهم ومواهبهم لتولى هذا المنصب، مثل: «أبى جعفر أحمد بن عطية».
  • ثانيًا: النظام الإدارى:
  •        اسـتعـان الموحدون فـي بدايـة عهدهم بـأشيـاخهم فـي تولي أقـاليم الدولة، ثـم أنـشـأ الخـليفـة «عبد المـؤمن» بمراكش مدرسـة جمع فيهـا أولاده وثــلاثــة آلاف طــالب مـن قبـائـل المصـامدة، وزوَّدهم بمختـلف العــلوم، وأشـرف عـلى تعـليمهم إدارة شئون البـلاد، وتدريبهم عـلى شـؤون الحـرب والقـتــال، فــلمــا أتـموا تـعـليمهم استبدلهم بـأشيـاخ الموحدين فـي تولى السـلطـة بـأقاليم الدولة، ثم عين أبناءه بعد ذلك على الأقاليم.
  • الدواوين:
  • اهتم الموحدون بـإنشـاء الدواوين المختلفة ويأتي في مقدمتها ديوان الإنشـاء الذي يختص بـالمراسيم السـلطـانيـة والرسـائـل الموجهة إلى الولاة والقضـاة، ولذا حشد له الخـلفـاء نخبـة ممتازة من أدباء المغرب والأنـدلس، ثـم يــأتــي بعده «ديوان الجيش» الذي يتفرع إلى ديوانين لكـل منهما اختصاصه. كما كان هناك «ديوان الأعمال المخزنية» الذي يشرف عـلى تحصيـل الأموال العـامـة، وعلى إنفاقها، ويراقب العمال والمشرفين ويحاسبهم.
  • الشرطة:
  •         كـانت الشرطـة من المنـاصب الإداريـة المهمة التي اهتم بها الموحدون، وظهر ذلك فـي عهد «يوسف بن عبد المؤمن» الذي زود المدن المغربية بنخبـة ممتـازة من الرجـال للسهر عـلى أمنهـا وحمـايتهـا، كما خُصص للأسواق رجال من الشرطة لحمايتها من اللصوص والمتسللين.
  • النظام القضائى:
  •        اتخذ الموحدون نظـامًا قضائيًّا مشابهًا لنظام المرابطين، وحرص خلفاء المـوحدين عـلى تعيين كبـار القضـاة بـأنفسهم، وأحـاطوهم بـالهيبـة والجــلال، وجعـلوهم نوعين، همـا: قضـاة المدن المغربيـة، وقـاضـى الجمـاعـة بالعاصمة، وكان قاضى الجماعة أعظم رتبة ومنزلة من بقية القضـاة، وهو يوازي قـاضـى القضـاة بـالمشرق، وكان مقصورًا على قاضى «مراكش» وقاضى «قرطبة» ويتم تعيينه من الخليفة مباشرة. ومُنح القضـاة الحق فـي مراقبـة جميع العمـال والولاة، وجمع بعضهم بين وظـائف القضاء والكتابة والمظالم، كما جمع بعضهم بين وظيفتي القضاء بالمغرب و«الأندلس».
  • الحياة الاقتصادية في دولة الموحدين:
  •         نعمت البـلاد بـالرخاء الاقتصادي في عهد الموحدين؛ إذ وضعوا نظامًا مـاليـاًّ دقيقًا، تمثـل في الإدارة المشرفـة عـلى الجوانب المـاليـة في الجبـايـة والإنفـاق، فضـلا عن وجود دواوين للمـال بالعاصمة، وديوان للمـال بكـل إقـليم يختص بماليته، وأفرد الموحدون دارًا للإشراف على النـواحـي المـاليـة، كمـا استحدثوا منصب الوزير المسؤول عن الشئون المـالية أطلقوا عليه اسم «صاحب الأشغال»، ومهمته استخراج الأموال وجمعهـا وضبطهـا، وتعقب نظر الولاة والعمال فيها، ثم تنفيذها على قدرهـا وفى مواقيتها، وكان يعاون صاحب الأشغال رؤساء الدواوين المالية بالدولة.
  • فـوفرت هذه المصـادر إلى جـانب الزكـاة وخمس الغنـائم أموالا كثيرة لخـزيـنــة الدولة، أُنـفق معظمهـا عـلى إعداد الجيش فـي البر والبحر، ودفـع مـرتـبــات الوزراء ورجـال البـلاط والحشم والقضـاة والفقهـاء، وكذلك فـي الإنفـاق عـلى الطـلبـة المنتظمين بـالمدرسة التي أنشأها الخـليفـة «عبد المـؤمن»، كمـا أنفق منهـا عـلى إنشاء المدن والقصور والحصون وغيرها من المنشآت.
  • وأصدر الموحدون عملة نقدية من الدنانير والدراهم. وقـد اهـتم المـوحـدون بــالزراعــة وشجعوا المزارعين عـلى استغـلال الأرض، ووفروا لهم الميـاه اللازمـة للزراعـة، فتوافرت محـاصيل القمح والشـعيـر، والقـطن، وقـصب السـكر، وغير ذلك من المحـاصيـل، كمـا نعمت البـلاد بأصناف الفواكه المتنوعة مثل: العنب والتفاح والكمثرى، وغـيرهــا، وانتشرت الغـابـات بـالبـلاد، وتوافر بهـا شجر الأَرْز والزان والبلوط.
  • ونشطت الحركـة الصنـاعيـة، وتوافرت المراكز الصنـاعيـة بالبلاد، مثل مـديـنــة «فــاس» و«مـراكـش»،وغـيرهــا مـن المدن التـي تنوعت بهـا الصـنــاعـات وضمت: صنـاعـة الصـابون، والتطريز، والدبـاغـة، وسبك الحديد والنحاس، وصناعة الزجاج، والفخار، وغير ذلك من الصناعات. وازدهرت التجـارة في الداخل والخارج، وكثرت المراكز التجارية التي أولاهـا الموحدون عنـايتهم، وشيدوا بها عدة أسواق، كما شيدوا بها الفنـادق، كما ساهمت «مكناسة» فى دعم ازدهار التجارة حيث كانت مـحطــة للمـسـافرين يبيعون ويشترون بهـا، فضـلاً عن وجود عدد من الأسواق العامرة والتجارات المختلفة بها.
  • وتمتعت البـلاد بنهضـة تجـاريـة خارجية، لوجود شبكة من الطرق التي ربـطت المدن المغربيـة بغيرهـا من المراكز التجـاريـة، فضـلاً عن وجود عدد من الموانئ المطـلة عـلى «البحر المتوسط» و«المحيط الأطلسي».
  • وكـانت محطـات للسفن المحمـلة بـالبضـائع القـادمة أو الخارجة منها، فتنوعت الصادرات مثل: القطن والقمح والسكر، وكذلك الواردات مثل: الذهب وبعض أنواع النسيج البلنسي، والعطر الهندى.
  • ولعـب مينـاء «سبتـة» عـلى «البحر المتوسط»، ومينـاء «سـلا» عـلى «المحيط الأطـلسـي»، دورًا بـارزًا في تنشيط الحركة التجارية في ظل حماية الأسطول الموحدي.
  • الحياة الاجتماعية في دولة الموحدين: 
  •         شكـلت قبائل المصامدة العنصر الرئيس لسكان دولة الموحدين، وقد اسـتقـرت بــالمـنطقـة منذ زمن، واتخذت المعـاقـل والحصون والقـلاع، وشيدت المبـانـي والقصور، وامتهن أفرادهـا الزراعـة وفلاحة الأرض، ولم يحـاولوا الهجرة من أرضهم، بـل تمسكوا بهـا، ودافعوا عنهـا ضد أي محاولة للاعتداء أو الاستيلاء عليها. أمـا العنصر الثـانـي من سكـان «دولة الموحدين» فهم العرب الهـلاليـة الذيـن ظهروا عـلى مسرح الأحداث، وعمد الموحدون إلى تهجيرهم من «إفـريـقيــة» إلى «المـغرب الأقـصــى»، ليتخـلصوا من ثوراتهم، كمـا استخدموهم فـي عمـليات الجهاد بالأندلس، فأقبلت أعداد كبيرة منهم إلى «المغرب الأقصـى»، وانتقـلت أعداد أخرى إلى الإقـامـة بالأندلس من خـلال الحمـلات التـي قـام بهـا الموحدون هناك، ثم حدد الموحدون إقامة بعض القبائل.
  • وقد تمتع العرب الهـلاليـة بمـا يتمتع به جند الموحدين، وأقطعهم ولاة الأمر بعض الأراضـي، وأنفقوا عليهم النفقات الكبيرة، وأغدقوا عليهم بــالعـطــايــا حتـى يوفروا لهم الاستقرار ويبعدوهم عن الفتن وإثـارة القلاقل والاضطرابات.
  • ونــالت المـرأة حـظهــا مـن التـكريـم والإنـصـاف والاحترام فـي «دولة الموحدين»، وأتـاحت لهـا الظروف أن تنـال حظـا من العـلوم المختلفة، وقسطًا من ثقافة العصر وأدبه، وبرزت الكثيرات من النساء مثل: «زيـنب» بـنت الخــليفـة «يوسف بن عبد المـؤمن»، والشـاعرة العـالمـة «حفصة بنت الحاج الركونية»، و«فاطمة بنت عبد الرحمن». وعـاش أهـل الذمـة فـي أنحاء متفرقة من البلاد، وكانت لهم أحياؤهم بالعاصمة «مراكش» وبمدينة «سجلماسة»، وكانوا يشتغلون بالبناء.
  • البناء والتعمير:
  • اهـتم المـوحـدون بــالبـنــاء والتـعمـير بــالمغرب و«الأندلس»، وحظيت «مراكش» و«الربـاط» وغيرهمـا من المدن المغربيـة بكثير من المنشآت الموحديـة، وأنشـأ الخـليفـة «عبدالمـؤمن» «مدينـة الفتح»، كمـا شيد المـسـاجد والقصور فـي أنحـاء متفرقـة من البـلاد، وكـان «المنصور» مولعًا بالعمارة، فشهدت البلاد نهضة معمارية استمرت طيلة عهده.
  • الحياة الفكرية: 
  • شـهدت «بــلاد المـغرب» حـركــة فكريـة نشيطـة فـي عهد المرابطين، واسـتمـرت كـذلك فـي عهد الموحدين، وسـاعدهـا عـلى ذلك استقرار الأوضــاع بــالبــلاد، والصـلة الوثيقـة بين «المغرب» و«الأندلس»، إلى جـانب رغبـة الكثيرين من أبنـاء «المغرب» فـي طـلب العلم، فضلاً عن تكريم الموحدين للعـلمـاء، والمتعـلمين ووصـلهم بـالعطـايـا، والهبات، والإنفـاق عـليهم، كمـا كـانت الأسس الدينيـة التـي قـامت عليها «دولة المـوحدين» سببًا فـي انتعـاش دراسـة عـلوم الدين، وانتعـاش الحركـة الفكرية.
  • المذهب المالكى: 
  •   شـن «ابـن تـومـرت» حـربًا شـعواء عــلى العـلمـاء والفقهـاء واتهمهم بـالجمود، ولكنه لم يستطع مهـاجمـة المذهب المـالكي الذي رسخ في أذهـان عـامـة الشعب وقـلوبهم، وتحايل على ذلك بإعداد مُؤَلَّف جمع فيه الأحـاديث النبويـة التـي وردت بموطـأ الإمـام «مالك»، وحذف منها معظم الإسناد للاختصار، في محاولة لصرف أذهان الناس عن المؤلفات المــالكـيـة، ثم جـاء «عبد المـؤمن» من بعده وأمر بحرق كتب الفروع، والاقتصـار عـلى الأحـاديث النبويـة. فـلمـا تولى «المنصور الموحدى» عمد إلى محو المذهب المـالكي من البلاد، وجمع كتب المذهب المالكي وحرقهـا، وأمر بجمع الأحـاديث المتعـلقـة بالعبادات من كتب الأحاديث مثل: «البخاري» و«مسلم» وغيرهما، وألزم الناس بدراستها وحفظها، وعـاقب عـلماء المذهب المالكي المتمسكين بتدريسه، وعلل ذلك بميله إلى الرجـوع إلى الكـتــاب والسـنــة والأخـذ بـظــاهـرهمـا، وكراهيته للخـلافـات التـي امتلأت بها كتب الفروع، ولكن علماء المالكية لم يؤثر فـيهـم التـهديد والعقـاب، وظـلوا يكـافحون فـي سبيـل بقـاء مذهبهم وتـدريـسه، فـسُجـن بـعضـهم مـثــل «ابن سعيد الأنصـارى»، وتُوفـى بعضهم نتيجـة التعذيب مثـل: «أبـى بكر الجياني المالكي»، ومع ذلك نجح هـؤلاء العلماء في إبقاء هذا المذهب وظل مذهب المالكية راسخًا ببلاد المغرب.
  • العلوم الدينية:
  •       ازدهـرت العــلوم الديـنيــة بدولة الموحدين، وزاد الإقبـال عـلى تفسير القـرآن ودراسته بـاعتبـاره مصدر التشريع الأول للبـلاد، وبرز عدد من المفسرين منهم: «عبد الجـليـل بن موسى الأنصاري الأوسي» المتوفى عــام (608ه= 1211م)، و«أبو بكر بن الجوزي السبتـي»، كمـا لاقـى عـلم القراءات رعـايـة ولاة الأمر، واشتهر فيه: «أبو بكر بن يحيى بن محمد بن خـلف الإشبيـلي» المتوفـى عام (602ه= 1205م)، و«على بن محمد بن يوسف اليابري الضرير» المتوفى عام (617ه= 1220م). أما علم الحديث فقد صار له شأن كبير واهتم به الخلفاء، وأمر الخليفة «عـبد المــؤمـن» بـحرق كـتب الفـروع، وردّ النـاس إلى قراءة الحديث، وأمــلى ابنه «يوسف» وحفيده «المنصور» الأحـاديث بنفسيهمـا عـلى الكُتاب لتوزيعها على الناس، واشتهر «أبو الخطاب بن دحية السبتي» و«ابـن حـبيـش» المـتوفـى عـام (584ه= 1188م)، و«القـاضـى عيـاض السبتـى» بتمكنهم من عـلم الحديث، ووضع بعضهم المصنفات في هذا العـلم، أمـا فـي مجـال الفقه فقد وضع «ابن تومرت» كتابه «الموطأ» على غرار «موطأ الإمام مالك» بعد حذف أسانيده.
  • ومـن أعــلام الفـقه فــي هذا العصر: «عبد المـلك المصمودي» قـاضـى الجـمــاعــة بـمراكـش، و«إبـراهيم بن جعفر اللواتـي» الفقيه المعروف بـالفاسي. ويعد كتاب: «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» للقاضي عياض من أبرز مؤلفات هذا العصر الفقهية. وقد نـال عـلم الكـلام عناية الموحدين منذ قيام دولتهم؛ حيث دعا «ابن تـومـرت» إلى دراسـته، واتـهم عــلمــاء المرابطين بـالجمود لتحريمهم دراســة هذا العـلم، وقد اشتهر فـي هذا العـلم: «أبو عمرو عثمـان بن عـبدالله الســلالجــي» المـتوفــى سـنـة (564ه= 1168م)، و«محمد بن عبد الكريم الغندلاوي الفـاسـي» المعروف بـابن الكتاني المتوفى عام (596ه= 1200م).
  • الحياة الأدبية والعلمية:
  •           تــابـعت اللغــة العـربيـة انتشـارهـا بدولة الموحدين، لأنهـا لغـة البـلاد الرسميـة فـي مكـاتبـاتهـا ومعـامـلاتهـا وشئونها، وقد ساعد مجيء العلماء إلى المدن المغربية على انتشار اللغة العربية وازدهارها، كما كـان لقدوم القبـائـل الهلالية إلى«المغرب الأقصى» واستيطانهم بعض منـاطق البلاد أكبر الأثر فى دعم اللغة العربية وانتشارها؛ لتمسك هذه القبـائـل البدويـة باللسان العربي وما فيه من مفردات وتراكيب وبلاغة فـي الأسـاليب. وازدهر الأدب بفرعيه الشعر والنثر، وبـلغ درجـة عالية مـن الرقــي، وكـثرت محـافـله ببـلاد المغرب، وأقبـل ولاة الأمر عـلى تشجيعه ودعمه، وسعـى المغـاربـة إلى المسـاواة بـالأندلسيين الذين يفتخرون بمنزلتهم الأدبيـة، فضـلا عن رغبة المغاربة في الوصول إلى المناصب العليا التي لا يرقى إليها إلا ذوو العلم والأدب.
  • وقـد تـدفـق أدبــاء «الأنـدلس» وغـيرهم عـلى البـلاط الموحدي؛ حيث العـطــايــا والمـنح، وبـرزت مـجمـوعــة مـن الشـعراء منهم: «أحمد بن عـبد الســلام الجـراوي»، و«أبـو عـبد الله مـحمـد بـن حبوس» من أهـل «فــاس»، و«أبو بكر بن مجبر» من «شقورة»، وغيرهم كثير. وكـانت أبرز أغراض الشعر آنذاك هي الوصف والغزل والمدح.
  • حرص خـلفاء الموحدين على تزويد أنفسهم من مختلف الثقافات، لدعم مـوقف دولتهم، التـي قـامت عـلى أسـاس دينـي، ولذا تنوعت ثقـافـة الخـليفـة «عبد المـؤمن»، وأجاد في علوم الفقه والجدل والأصول، كما حفظ الأحاديث النبوية، وأحاط بالنحو واللغة، والأدب، والتاريخ، وعلم القراءات، والأنساب، وتنوعت ثقافة ابنه «يوسف»، حيث حظي بقسط وافر من العـلوم المختلفة حين كان واليًا من قِبل أبيه على «الأندلس»، وكذلك كان «المنصور» عالمًا بالحديث والفقه واللغة.
  • أمـا طبقـات الشعب فقد قـامت المـؤسسـات التعليمية بتثقيفهم، سواء بـالمكتب أو الربـاط أو المسجد أو المدرسـة، وقد قامت المدرسة التي أسسهـا الخـليفـة «عبد المـؤمن» بدور فعّال فـي إثراء ثقـافـة طبقات الشعب؛ إذ جمعت هذه المدرسة بين الدراستين النظرية والعملية. وكــان أبـرز عــلومهـا النظريـة هـي: حفظ القرآن وتدريسه، ودراسـة «موطأ ابن  تومرت»، وحفظ «صحيح مسلم»، أما العلوم العملية، فكانت: ركوب الخيـل والرمـي بـالسهم والقوس، وتعـليم السبـاحـة فـي بحيرة صنعت من أجل ذلك بالمدرسة.
  • المكتبات:
  • سـبقـت الإشــارة إلى ازدهــار التـأليف وكثرة عدد المكتبـات العـامـة والخـاصـة التـي ازدحمت بمئـات الكتب فـي شتى فنون المعرفة بدولة المرابطين، فـلمـا قـامت «دولة الموحدين»، أولى خلفاؤها هذا المجال عنايتهم، وجمعوا الكتب من كل مكان، وحرصوا على اقتنائها. وكـانت هنـاك المكتبـات العـامـة والخاصة إلى جانب مكتبات المساجد والمدارس والزوايا، فضلا عن مكتبة الخزانة العلية التي أنشأها خلفاء المـوحـديـن، وزودوهــا بـالكتب والمراجع من مختـلف العـلوم والفنون للاطـلاع والدراسـة كمـا كـانت هنـاك «المكتبـة الشـارية» بسبتة، تلك المكتبـة التـي أسسها «أبو الحسن على بن محمد الغافقى» المعروف بـالشـارى، وقد جعـلهـا وقفًا على علماء المغرب. وكذلك كانت هناك أعـداد كـثيـرة مـن المـكتـبــات الخــاصـة، ومنهـا: مكتبـة «ابن صقر» المتوفـى (569ه= 1173م) بمراكش، ومكتبـة «عبد الرحمن بن المـلجوم» بـفـاس، ومكتبـة «عبد الرحمن بن موسـى الأزدي الفـاسـى» المتوفـى (605هـ/ 1208م)، وقد باعتها إبنته بأربعة آلاف دينار.


ليست هناك تعليقات:

رابط الترشح لمسابقة الدكتوراه 2024-2025

رابط الترشح لمسابقة الدكتوراه 2024-2025  أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اليوم المنصة الخاصة بالتسجيل لمسابقات الدكتوراه للسنة الجا...