(الأديب الناقد الدكتور محمد مصايف حياته وآثاره)
الأستاذ: فوزي مصمودي
باحث في التاريخ المحلي والوطني (بسكرة)
- ما دفعني إلى تناول شخصية الأديب الناقد الدكتور محمد مصايف ومسيرته النضالية وحركيته الأدبية وبصماته التي التي تركها في تاريخ الأدب الجزائري المعاصر ومساهمته في تطور النقد، دفعني إلى ذالك التجاهل الكبير الذي تعرض له الأستاذ مصايف بعد وفاته، من طرف بعض أصدقائه وتلامذته، فلم يعقد باسمه ملتقى ولم تتسم به مؤسسة تربوية أو معهد جامعي، لاسيما أن الرجل قد قضى في جامعة الجزائر أزهى أيام عطائه الأدبي كأستاذ للنقد.... الى آخر يوم في حياته وهو19 جانفي 1987، مما دعا بالأستاذ محمد ساري ان يصرخ يوما من خلال صحيفة (الشروق اليومي) جاهرا بصوته “من يتذكر محمد مصايف “.
- لذالك واجهتني العديد من العراقيل في سبيل إعداد هذه المحاضرة او الدراسة وخاصة نقص المراجع التي تتناول شخصية مصايف وقلة الكتابات حوله . باستثناء ما كتبه الأستاذ الموقر (محمد ساري) في مجلة (الثقافة) (1) وصحيفة (الشروق اليومي) (2) ودراسة الدكتور نسيب نشاوي بمجلة (الثقافة) (3) والأسطر القليلة التي كتبت حوله في (معجم المؤلفين) (4) للمؤرخ الأستاذ عمر كحالة و(موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين) (5) للأستاذ رابح خيدوسي التي شاءت القدرة الإلهية أن أكون معه في صفحة واحدة من هذه الموسوعة .
- شيء من حياته:
- شاءت الأقدار الإلهية آن يرى أستاذنا محمد مصايف النور في أول أكتوبر 1924 ببلدة جباله (دائرة ندرومة)، وككل أترابه من أبناء الشعب الجزائري في تلك الفترة الحرجة وليل الاستعمار الحالك وانحصار التعليم في وسط ضيق، فقد التحق بكتاب قريته، حيث تمكن من إجادة حفظ القرآن الكريم، وهذا في القرية المسماة (أولاد العباس) بعد ذالك سلمه أهله إلى فقيه القرية المعروف باسم (طالب محمد) حيث درس على يده اللغة العربية والنحو والصرف إلى جانب مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
- وفي حدود عام 1943 وفي عز الحرب الكونية الثانية وعمر مترجمنا تسع عشرة سنة التحق بمدرسة التربية والتعليم وهي مدرسة عربية حرة تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمغنية، حيث سمحت له هذه الفرصة التمكن من اللغة العربية والاطلاع على التاريخ الجزائري والعربي إلى جانب الحساب والرياضيات.
- وقد لبث في هذه المدرسة الى غاية 1946 تاريخ تغيير مسار الحركة الوطنية.
- ولم يكتف الأديب مصايف بما قدم له من علوم ومعارف في هذه المدرسة العريقة بل شد الرجال الى جامع القيروان العامر بفاس (المغرب الأقصى) من عام 1946 الى عام 1949 ... وهنا بدأت المتاعب تلاحقه من طرف الإدارة الاستعمارية التي تفطنت لانضمامه إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية بفاس، لكنه لم يمنح لها فرصة متابعة تحركاته، حيث هاجر إلى تونس في سبيل الدراسة بجامع الزيتونة بتونس الذي ظل منتسبا إلى دروس إعلامه يوم كان عامرا إلى غاية عام 1951.
- بعد عودته من تونس عام 1951 وجد مدرسته (التقدم) العربية الحرة في انتظاره للإشراف على إدارتها وتسيير شؤونها والتدريس بها رفقة شلة من المعلمين الذين حلموا لواء مقارعة العدو الفرنسي بسلاح القلم والتربية والإعداد.
- بعد اندلاع الثورة التحررية المظفرة سارعت الإدارة الفرنسية إلى القبض عليه وإغلاق مدرسته (التقدم) (6) التي خرجت عشرات التلاميذ المتشعبين بالروح الوطنية والمتزودين بالإيمان وبالقضية الجزائرية، وسرعان ما أطلق سراحه لعدم ثبوت أدلة ملموسة تدينه، مما اضطره عام 1955 إلى الهجرة الى باريس عله يجد مناخا مناسبا للنضال والعمل الوطني في سبيل الجزائر.
- بعد الاستقلال عاد الدكتور مصايف الى أرض الوطن ليساهم في بناء وطنه وارساء ثوابته التي ناضل من اجلها رجالات الحركتين الوطنية والاصلاحية ومات من اجلها مليون ونصف المليون من الشهداء وعلى رأسها قضية التعريب التي ظلت تؤرق كيانه حتى لحق بربه.
- ولكن ميول أستاذنا مصايف الأدبية لم تتفتق الا بعد احتكاكه بالأساتذة المشارقة الذين وفدوا الى الجزاائر في بداية الاستقلال من اجل المساهمة في عملية التربية والتعليم وخاصة بجامعة الجزائر التي التحفق بها في بداية عام 1965 كما يذكر ذلك الدكتور نسيب نشاوي (7) وكانت خاتمتها حصوله على شهادة الدكتوراه بكلية الادب عام 1972. وقد تناول من خلالها (جماعة الديوان) التي رات النور بعد طباعتها في 1974 بمطبعة البعث بقسنطينة.
- وكتتويج لهذا الانجاز ولتطوير أدائه الاكاديمي فقد إلتحق الاستاذ مصايف بجامعة القاهرة لتشرف الدكتورة سهير القلماوي على رسالته (النقد في المغرب العربي). كما اثرت هذه المرحلة على مساره الادبي وخاصة في مجال النقد.
- وانا اغوص في شخصية الدكتور محمد مصايف وتتبع مسيرته وانتاجه الادبي، وقفت ان بدايته الاولى في عالم النشر لم تبدا سوى في عام 1967 وعمره(43 سنة) وأول مقال ظهر له كان بيومية (الشعب).
- وقد ترك الفقيد محمد مصايف بعد هذه الرحلة العلمية العديد من المؤلفات المطبوعة وقليل منها مازال مخطوطا، ومن هذه الاعمال التي شغلت الساحة الادبية واحدثت ضجة في اوساط النقاد والمتتبعين للحركة الثقافية بالجزائر ولعلى اهمها:
- 1- جماعة الديوان في النقد: وهي عبارة عن رسالة دكتوراة الحلقة الثالثة في جامعة الجزائر، وقد طبعت عام1974 بقسنطينة.
- 2- النقد الادبي الحديث في المغرب العربي من اوئل العشرينيات الى اوائل السبعينيات، قامت بنشره الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر في طبعة ثانية عام 1984، يضم الكتاب (466 صفحة) من القطع المتوسط، وهو عبارة عن رسالة دكتوراة من جامعة القاهرة تحت اشراف الدكتورة القلماوي تلميذة الدكتور طه حسين، ومناقشة الاستاذ عبد العزيز الاهواني والاستاذ محمد زكي العشماوي وذلك عام 1976 وقد خلص المؤلف من خلال هذا الكتاب الى جملة من القضايا والمواقف الادبية منها:
- · ان النقد الادبي المغربي الحديث ما هو الا امتداد طبيعي للنقد بالمشرق العربي
- · مطالبته بعض النقاد الواقعيين في المغرب العربي في وضوح الى الاصالة في الابداع الفني وعدم الانسياق وراء المذاهب والاشكال الفنية الوافدة.
- · توضيح موقف نقاد المغرب العربي من موسيقي الشعر.
- 2- فصول في النثر الجزائري الحديث: وهي عبارة عن دراسات ووثائق قام بنشر الكثير منها في بعض الجرائد الوطنية خاصة يومية (الشعب) ثم عمل على جمعها وطبعها في كتاب مستقل عام 1974 اما الطبعة الثانية فكانت عام 1981 بالجزائر في (209 صفحة).
- 3- في الثورة والتعريب قامت بنشره الشركة الوطنية للنشر والتوزيع عام 1981 في طبعة ثانية
- 4- الرواية العربية الجزائرية بين الواقعية والالتزام: قامت بنشره الدار العربية للكتاب بتونس بالتنسيق مع الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر عام 1983 في (315 صفحة).
- 5- النثر الجزائري الحديث: نشر من طرف المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر في العام 1983 في (158صفحة) .
- 6- المؤامرة: وهي الرواية الوحيدة على ما اعتقد للاستاذ مصايف وقد ذكر الدكتور نسيب نشاوي _(8)
- استاذ مساعد في جامعة عنابة ان للأستاذ محمد مصايف ثلاثة مؤلفات أخرى مخطوطة ولاادري ان كانت قد طبعت ام لا، وتتمثل اساسا في:
- 1- المناهج النقدية المعاصرة.
- 2- احاديث في الادب والنقد.
- 3- عن الثورة الفلسطينة: وهو عبارة عن مقالات نشر اغلبها في الصحافة الوطنية.
- مصايف الناقد:
- يعد الدكتور محمد مصايف احد مجددي النقد الادبي المعاصر بالجزائر رفقة الدكتور عبد الله ركيبي والدكتور ابي القاسم سعد الله والدكتور صالح خرفي والدكتور محمد ناصر....الخ.
- الا ان الاستاذ مصايف يتميز بمنهج خاص في مجال النقد، وفد ابانه في العديد من كتاباته ودراساته النقدية، ويتمثل اساسا في:
- 1- اعتماده الاعتدال والموضوعية والوسطية وعدم الانسياق خلف العاطفة او الاراء المسبقة حول نص ادبي معين رافضا التطرف والهجوم المفتعل المبني على الخلفيات..... وقد كتب يوما في جريدة الشعب: “منالاصول المستحبة والاديان والمرغب فيها في الفلسفة مسألة "الاعتدال"، والاعتدال كما هو مطلوب في الاكل واللباس والنفقة والضحك والكلام. هو مستحب أيضا في التفكير والتعبير عن التفكير.(9).
- 2- عدم معرفته لشخصية صاحب النص، وانما كان تعامله مع النص مباشرة، ولدى دراسته للمجموعة القصصية (الكاتب وقصص أخرى) للاديب عبد الحميد بن هدوقة قال: فأنا لاأعرفه شخصيا ولا سبق له ان عرفني فيما اعتقد، ولهذا فسيكون حديثي عن مجموعته الجديدة حديثا ادبيا لا تؤثر فيه صداقة ولا خصومة(10)
- 3- عدم استعمال المصطلحات التي كانت شائعة في وقته كمصطلح (الالتزام) ويذكر الاستاذ ساري (11) ان الاستاذ محمد مصايف اعطى مصطلح (الالتزام) تعريفا خاصا به يختلف عن تعريف كل من المدرسة الواقعية والماركسية والوجودية السارترية.
- 4- عدم التقيد بإيديولوجية معينة في مجال النقد ، حيث كان يأخد من القيم الانسانية ومن ايجابيات المدارس الادبية الاخرى.
- 5- كما اشترط – مترجمنا – العديد من المميزات التي يجب ان تكون في شخصية الناقد (12) على اساس انها ستنعكس على العملية النقدية منها على الخصوص.
- · الثقافة الواسعة والاطلاع على جميع مناهج النقد الادبي القديم والمعاصر العربي والغربي.
- · الموضوعية والاتزان والتركيز والاخلاص والابتعاد عن الانفعال والتسرع في اصدار الاحكام.
- · اعتماد عدة قراءات للنص وتجنب قراءة واحدة فقط. واعتباره دراسة النص والحكم عليه بعد قراءة واحدة : “مخاطرة شديدة ومزلق قد يؤدي بصاحبه الى تمويه العمل الادبي تمويها كليا “
- انها –ايها السادة- آراء ومواقف يمكن ان تكون مدرسة ادبية قائمة بداتها، وسنترك هذا الامر للأساتذة المتخصصين في النقد الادبي.
- من مواقفه:
- الى جانب كل هذا فقد كانت للأديب الناقد محمد مصايف اراء اتجاه العديد من القضايا الوطنية والمسائل التي تطرح من حين لآخر:
- 1- قضية اللغة العربية:
- في بداية الاستقلال انبرى الاستاذ مصايف رفقة ثلة من الغيورين على ثوابت الجزائر في الدفاع عن اللغة الوطنية والتعريب، -رحمه الله- في صف الداعين الى التمكين لها من خلال مقالاته التي كان ينشرها بجريدة (لشعب) اضافة الى احاديثه الاداعية كبرنامجه الاسبوعي في القناة الاولى (الصحافة الادبية في اسبوع) وفي مجال الابداع فقد اعتبر اللغة العربية لغة مقدسة وليس للأديب الجزائري سوى ان يكتب بالعربية الفصحى سواء شعرا او نثرا وخاصة ان لغة القرآن لغته وهي جزء من كيانه وشخصيته وهويته وقد حاول في كتابه (الثورة والتعريب) لبيان ان اللغة العربية اداة الادب الراقي واداة التعليم والبحث والتواصل والتفاهم بين ابناء الامة،، تحمل حضارة الامة الموغلة في اعماق التاريخ
- 2- العامية والفصحى :
- من بين القضايا الثقافية التي طرحت للمناقشة وسال حولها حبر كثير واحتلت اعمدة الصفحات الادبية قضية الفصحى والعامية خاصة في المسرح والحوار القصصي.
- وكعادته وقف موقفا معتدلا من هذه المسألة الشائكة التي مازالت قائمة الى اليوم .
- فهو يرى انه لابد من الاستفادة من "اللغة الدارجة" وهكذا اعتبر "الدارجة" لغة شريطة تعريبها ورفعها الى مستوى قريب من الفصحى.
- وبمقابل ذالك اعاب على الذين يتقعرون في كتاباتهم وينتقون الالفاظ والمصطلحات اللغوية الصعبة التي يتعذر على الكثير فك رموزها وطلاسيمها مقترحا في نفس الوقت لغة تكون في متناول الطرفين واطلق عليها إسم (اللغة الفصحى المبسطة)
- 3- مصايف والتاريخ الوطني
- ايقن الاستاذ مصايف ان الشعب الجزائري رغم حصوله على الاستقلال الا ان رواسبه وتبعاته مازالت تتغلغل في اوساط المجتمع وعلى رأسها مشكلتا "اللغة" و"التاريخ" .
- وقد ثارت ثائرته عندما علم بحجر كتاب (التاريخ الوطني) في مناء الجزائر والمكتوب بالغة العربية وعدم وصوله الى ايدي الناشئة، وضم صوته الى صوت الاديب صالح خباشة وكتب في ذالك مقالا لجريدة الشعب وقد نقد الاستاذ محمد ساري جزءا من هذا المقال الذي افتتحه بقوله : (لست هنا اريد ان احدد المسؤولية في هذه القضية الى صوت .....الأخ خباشة وان اعمل معه ومع غيره من المخلصين للعروبة والشخصية الجزائرية على ان تجتهد السلطات في رفع مثل هذه الحوادث الظاهرة والخفية امام عودة شعبنا الى اصله ومنابعه الحضارية .
- الرجل المتواضع :
- من الصفات الخلال الحميدة التي تميز بها الدكتور محمد مصايف وشهادة العديد من معارفه وتلامذته، صفة التواضع وعدم الكبر، منطلقا من الحديث النبوي الشريف “من تواضع لله رفعه“
- وقد اتضح ذالك جليا في كتابه (فصول في النقد الادبي الجزائري الحديث) عندما تعرض بالدراسة الاسلاميات محمد العيد آل خليفة حيث قال : “وقد يكون من الخير بل من الشفقة على نفسي ان اعترف من الان بأنني لست ممن يزعمون لانفسهم المقدرة والخبرة في الادب وانني من هؤلاء الذين يقرؤون النصوص الادبية ويجتهدون في فهمها وتذوقها ليس غير“
- وكان هذا الاستاذ مصايف – ابن ندرومة العريقة – فلم يدع لنفسه احتكار العلم واساليب النقد ومدارسه واتجاهاته وكان -رحمه الله- يرد على خصومه بكل ادب واحترام دون اعتماد اسلوب تجريح اشخاصهم بل كانت ردوده وتعقيباته تتجه مباشرة صوب النص.
- الهوامش
- 1-محمد ساري النقد الادبي عند محمد مصايف، مجلة الثقافية، الجزائر: 109، جويلية-اوت1995م
- 2-محمد ساري من يتذكر محمد مصايف الشروق اليومي الجزائر عدد : 370،الثلاثاء، 22 جانفي 2002، الموافق ل08 ذو القعدة 1422هـ
- 3نسيب نشاوي النقد الادبي عند الدكتور محمد مصايف (1924-1987) مجلة الثقافة، الجزائر، عدد 116، السنة الثالثة والعشرون 1998
- 4- عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين
- 5- رابح خيدوسي والاخرون ،موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين دار الحضارة الجزائر 2002 .
- 6- بعد اندلاع ثورة نوفمبر 1954 سارعت الادارة الإستعمارية الى غلق جميع المدارس الحرة ومعهد ابن باديس بقسنطينة
- 7- نسيب نشاوي، النقد الادبي عند الدكتور محمد مصايف مرجع سابق.
- 8- نسيب نشاوي، مرجع سابق
- 9- محمد مصايف، حديث اليوم. يومية (الشعر) الجزائر، 15/10/1970
- 10- محمد مصايف، دراسات في الادب والنقد المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1988 ص 127
- 11- محمد ساري، من يتذكر محمد مصايف، مرجع سابق
- 12- محمد ساري النقد الادبي عند محمد مصايف، مجلة (الثقافة) مرجع سابق.
- 13- محمد مصايف، دراسات في النقد ص28.
- 14-نسيب نشاوي مرجع سابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق