محاضرات تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية :
المحاضرة الثالثة 03
الجزائر والحرب العالمية الثانية(1939-1945)
- بدأت في 1سبتمبر1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، و شاركت في الحرب معظم دول العالم وانقسمت إلى حلفين عسكريين متنازعين هما: قوات الحلفاء(فرنسا-ابريطانيا-الولايات المتحدة الأمريكية)، ودول المحور(ألمانيا النازية-إيطاليا الفاشية-اليابان).وقد أوقعت هذه الحرب ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات؛ لذلك الحرب العالمية الثانية أكثر الحروب دموية وبشاعة في تاريخ البشرية وقد انتهت الحرب في أوروبا بغزو الحلفاء لألمانيا، والاستسلام غير المشروط من قبل ألمانيا في 8 ماي عام 1945.
- عقب اندلاع الحرب راحت فرنسا تستنجد بمستعمراتها لاستغلالها بطرق بشعة في شتى المجالات(طبيعيا،بشريا،اقتصاديا،لوجيستيكيا....)، وكان هذا الاستغلال على حساب المستعمرات الشمال إفريقية قد أنهك خيرات وثروات الأقطار المغاربية الثلاث "الجزائر وتونس والمغرب الأقصى، كما أثر هذا بشكل كبير على سيرورة النشاط السياسي والإقتصادي والإجتماعي.....في هذه الأقطار طبقا لنظام الحكم أكان استعماريا محظا أو حماية.
• تميزت فترة الإنطلاقة الأولى للحرب بتدهور الساحة السياسية الجزائرية، فالتزمت جمعية العلماء المسلمين الصمت والحياد، وأيدت جماعة النواب "ابن جلول، وفرحات عباس" في البداية الوقوف الى جانب فرنسا ظانين أنها ستنظر الى مطالبهم كما أيد الحزب الشيوعي الوقوف الى جانب فرنسا في البداية، لكنه حلّ بعد الإجتياح الألماني لفرنسا وزج بأعضائه في السجون بسبب ارتباطهم بالحزب الشيوعي الفرنسي الذي أبدى تأييده للنازية، أما عن حزب الشعب الجزائري فقد حلّ مع بداية الحرب يوم 26 سبتمبر 1939، لأنه عارض التجنيد الإجباري، واعتقل مصالي الحاج، ومنذ هذا التاريخ بدأ أعضاءه يعملون في السرية.
• مع بروز حكومة فيشي عقب انهيار فرنسا أمام النازية "جوان1940" حاولت وأتباعها في الجزائر جذب مصالي الحاج عدة مرات لعل أبرزها"نوفمبر1940"و"مارس1941" ولكنها لم تنجح فاتبعت سياسة القوة بعد ذلك، ونتج عن الممارسات الفرنسية تحول نشاط الحزب إلى السري بعد ذلك حدوث تمرد في الحراش يوم 26 يناير 1941،وحاول الحزب وضع ادارة جديدة لأن القادة الأوائل أصبحوا معروفين، واعتقل ونفي البشير الإبراهيمي من جهة أخرى لمدة ثلاث سنوات الى الجنوب الغربي الجزائري.
• بعد انزال الحلفاء حاولت الحركة الوطنية الجزائرية ان تدخل معتركا سياسيا جديدا لكسب تأييد الحلفاء بعد الإنزال أو مايعرف بعملية طورش 08 نوفمبر 1942 وخاصة أمريكا وابريطانيا ،قدمت الحركة الوطنية بزعامة ناشطين من مختلف الأطياف مذكرة 20 ديسمبر1942 تطالب فيها بمجموعة من الإصلاحات وعليه انعـقـد اجـتـمـاع بتاريخ 03 فيفري1943 ضـم أنـصـار حـزب الـشـعـب، الـعـلـمـاء والـنـواب وأعـدوا بـيـان حـرره فـرحـات عـبـاس يـوم 10 فيفري 1943 وملحق البيان في 26 ماي 1943 اتبعوه بملحق البيان وتم تسليمه لـلـوالـي الـعـام الـفـرنـسـي بـالـجـزائـر "الـمـارشـال بـيـرتـون" كما قدمت نسخ منه لـمـمـثـلـي حكـومـة فـرنـسـا الـحـرة ومـمـثـلـي الحلفاء ومما جاء فيه:
* إدانـة الاسـتـعـمـار بمـخـتـلـف أشـكـالـه والـعـمـل عـلـى تـصـفـيـتـه. * تـطـبـيـق مـبـدأ تـقـريـر الـمـصـيـر عـلـى جـمـيـع الـشـعـوب. * مـنـح الـجـزائـريـيـن دسـتـورا خـاصـا بـهـا يـضـمـن حـريـة جـمـيـع الـسـكـان والـمـسـاواة بـيـنـهـم. * الإفـراج عـن الـمـعـتـقـلـيـن الـسـيـاسـيـيـن مـن جـمـيـع الأحـزاب. * إلـغـاء الـمـلـكـيـات الإقـطـاعـيـة والـقـيـام بـإصـلاحـات زراعـيـة....الخ
كـان رد فـعـل الـوالـي الـفـرنـسـي أنـه سـيـأخـذ بـعـيـن الاعـتـبـار كـأسـاس لـدسـتـور الـجـزائـر، أمـا الـحـلـفـاء فـردوا أنـهـم جـاءوا لـمـحـاربـة الـمـحـور والـقـضـيـة لا تـعـنـيـهـم.
• انعقد مِؤتمر برازافيل بالكونغو تحت رعاية الجنرال ديغول في جانفي 1944 ، واعترف هذا المؤتمر بحق الشعوب في تسيير شؤونها بنفسها ضمن اتحاد فرنسي يعرض الإمبراطورية...وجاءت بعده أمرية 7مارس1944 من طرف ديغول وتمنح الأمرية الـمـواطـنـة الـفـرنـسـيـة لـلـنـخـبـة الـجـزائـريـة دون الـتـخـلـي عـن أحـوالـهـم الـشـخـصـيـة - مـنـح إسـتـفـادات مـالـيـة لـلـمـحـاربـيـن الـجـزائـريـيـن وتـأجـيـل الـنـظـر فـي مـسـتـقـبـل الـجـزائـر إلـى مـا بـعـد نـهـايـة الـحـرب .
• رُفضت أمرية مارس من قبل زعماء الحركة الوطنية فندد بها البشير الإبراهيمي مصالي الحاج وفرحات عباس لأنها كانت مجرد ذر للرماد في العيون أما الشيوعيون فقد رحبوا بها. ولدت بعد هذا حركة أحباب البيان والحرية وراح يدخل في صفها العديد من المناضلين، وأمام الأحداث الجديدة أنـشـأ فـرحـات عـبـاس "حركة أحـبـاب الـبـيـان والـحـريـة فـي 14 مـارس 1944 " تـضـم جـمـيـع الـعـنـاصـر الـتـي سـاهـمـت فـي إعـداد الـبـيـان وطالب بمطالب إصلاحية عديدة- بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرج الجزائريون إلى الشوارع مطالبين في النظر في قضيتهم فحدثت مجارز كبرى في حقهم ماي 1945.
• بما أن الجزائريين شاركوا في الحرب العالمية الثانية خرجوا إلى الشوارع طالبين بحقوقهم بالنظر في قضيتهم والمطالبة بالاستقلال، وكانت القوات الفرنسية قد حضرت كل شيئ سابقا لأنها كانت تعلم جيدا رد فعل الجزائريين. فقد قابلت فرنسا تلك المظاهرات بمجازر دامية لم تشهد لها الجزائر مثيلا من قبل فقد.
• أرادت القوى السياسية اثبات شعبيتها وقوتها في الميدان فحضرت جيدا لتلك المظاهرات ليقول الجزائريون كلمتهم فخرج المتظاهرون في كل المدن الجزائرية تقريبا: سطيف، عين البيضاء، تبسه، قالمة، خراطة، سكيكدة، تلمسان، سعيدة، سيدي بلعباس....الخ. قامت الإدارة الإستعمارية باتخاذ إجراءات قمعية ضد منظمي المظاهرات من حزب الشعب أمثال حسين عسلة، هني محمد، حفيظ عبد الرحمان، أحمد مزغنة، سامي محمد وقد انطلقت المظاهرات في كل القطر الجزائري منذ 1 ماي 1945، ونادى الجزائريون بإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني الذي أُنتج خصيصا لهذه المناسبة.
• أدعى الفرنسيون انهم أكتشفوا مشروعا ثوريا خاصة لما سقط قتلى في صفوف بعض المعمرين، وبدأت الإعتقالات وأعمال العنف والقتل ضد الجزائريين العزّل، وسقط أول شهيد جزائري في المظاهرات وهو الشاب بوزيد سعال(22سنة)، وتوالت بعدها عمليات التقتيل والمجازر وقصفت القرى والمداشر انتقاما من الجزائريين وتقول بعض الاحصائيات عن سقوط 45000 شهيد، و مصادر قالت أن عدد الضحايا فاق 60000 فقد كتبت الصحافة الامريكية وقتها قائلة أن ضحايا المذابح الدموية فاق 70000 شهيد جزائري فارتكبت قوات اللفيف الأجنبي والجنود السينغاليون فظائع فأحرقت المزارع واغتصبت النسوة ودمرت الطائرات 44 مشتى كما اقتيد الآلاف من الجزائريين إلى السجون والمحتشدات حيث عانوا من التعذيب والأمراض الفتاكة.
• تعتبر مجازر ماي 1945 نقطة التحول الجذري في فكر الجزائريين، فبعدها اتضح أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة وهنا بدأ التفكير في العمل الثوري المسلح لافتكاك الحرية فتم القاء القبض على عديد المناضلين على غرار فرحات عباس بتهم التحريض على التجمهر والتظاهر وادخلوا السجون وفي مارس 1946 أصدر قانون العفو الشامل عن المساجين واطلاق سراح المعتقلين فتم الافراح عن فرحات عباس ومصالي الحاج مارس 1946، وهنا بدا التفكير في انشاء أحزاب سياسية جديدة، وتسمية هذه المرحلة مرحلة بناء الحركة الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق