محاضرات تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية 1919-1954
المحاضرة الأولى: التيارات الوطنية في الحركة الوطنية الجزائرية
- إن ارهاصات الحركة الوطنية الجزائرية نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 م تزامنت مع مشروع الجامعة الإسلامية الذي سبق وأن طرحه السلطان عبد الحميد الثاني، هذا المشروع الذي هدف الى توحيد المسلمين في جميع أرجاء العالم وبالخصوص الدول والأقطار التي كانت تحت راية الخلافة العثمانية سابقا من أجل مواجهة الهجمة الأوروبية الامبريالية وحركات الاحتلال، لذلك تفاعلت النخب الجزائرية مع هذا المشروع على غرار باقي النخب العربية والإسلامية، ومن بين الشخصيات الجزائرية التي دعت إلى الوقوف مع المشروع نجد: عبد الحليم بن سماية، عمر بن قدور الجزائري، عمر راسم وغيرهم كثير.. ومن بين الأسباب التي جعلت هذا الفكر يتنشر في الجزائر وعامة المغرب العربي نذكر ما يلي:
o السياسات المعتمدة من طرف السّاسة والحكام الفرنسيين في ظل الحكم العسكري(1830-1870) وبعده المدني.
o رحلات الحج.
o الهجرة إلى البلدان الإسلامية.
o تأثير صحف وجرائد الجامعة الإسلامية.
o زيّارات الشخصيات الدينية والسيّاسية إلى الجزائر.
o الرّحلات العلمية للجزائريين إلى الجامعات والمعاهد الإسلامية.
o الدعاية العثمانية.
o التيارات السياسية في الحركة الوطنية الجزائرية
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانفتاح الساحة السياسية الجزائرية على النضال برزت ثلاثة اتجاهات وطنية رئيسية عملت على مقاومة السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية المسلحة إضافة الى مجموعة من التوجهات والتيارات والنخب الوطنية الأخرى لكن تمثلت هذه الاتجاهات الكبرى في:
الإتجاه الاستقلالي:
يمثل التيار اليساري ، الذي ظهر بالمهجر على يد العمال الجزائريين والمغاربيين بعد الحرب العالمية الأولى ممثلا في جمعية نجم شمال افريقيا 1926 ، نادى بكل صراحة بضرورة استقلال الجزائر في إطار الشمال الإفريقي المنتمي إلى الأمة العربية المسلمة، أصبح في مارس 1937 يسمى “ حزب الشعب الجزائري”، ثم ظهر مجددا بعد الحرب العالمية الثانية تحت تسمية “ الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية 1946، ومنه خرجت المنظمة الخاصة التي كلفت بالإعداد للثورة، ثم جبهة التحرير الوطني 1954.
o الاتجاه اليميني:
o تمثل في نشاط النواب الجزائريين القلة المنتخبين المثقفين ثقافة فرنسية، وطالب هذا الاتجاه بالمساواة بين الأغلبية الجزائرية المسلمة من جهة وبين الأوروبيين في بداية العشرينيات، ثم تطور إلى المطالبة بالتجنس والاندماج في الثلاثينيات ثم اعتدل بعد الحرب العالمية الثانية ممثلا في الاتحاد الديموقراطي للبيان الجزائري حيث أصبح يطالب بإقامة جمهورية جزائرية مرتبطة بفرنسا على شكل اتحاد فدرالي.
o الاتجاه الإصلاحي:
o تميز بالاعتدال في مطالبه، ركز على استرجاع الشخصية العربية الإسلامية للجزائر ، ظهر مع رجلا الإصلاح الذين كانوا ينشطون في نادي الترقي ويكتبون في جريدة المنتقد والشهاب لعبد الحميد بن باديس، ثم تطور هذا الاتجاه ليتهيكل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست في 05 ماي 1931 التي تبنت شعار “ الإسلام دينننا – العربية لغتنا - الجزائر وطننا “.
o إضافة إلى هذه التيارات وجبت إلى الإشارة إلى جمعية طلبة شمال افريقيا 1927، والكشافة الإسلامية الجزائرية 1935، والحزب الشيوعي الجزائري 1935، وعديد الهيئات والجمعيات والشخصيات التي لعبت دورا كبيرا في تنشيط الحركة الوطنية الجزائرية تحت مسميات عدة وطرق مختلفة.
o التيار الاستقلالي ( 1924-1939):
o ارتسمت معالم العمل الوطني السياسي بهجرة الأمير خالد إلى فرنسا سنة 1923 فقد أنشأت هيئة إغاثة للمغاربة واصطبغت بصبغة دينية قومية، وكانت النواة الأولى للنشاط، والبرنامج الذي دافع عن المناضلون فيما بعد هو الاستقلال التام، فسعت للتضامن مع الشعوب العربية كلها، والعمل على تحرير الشعوب المستعبدة في كلّ مكان، ومن هذه الهيئة تم تأسيس نجم شمال افريقيا بنونتير سنة 1926، حيث كان النجم ينشط تحت كنف الحزب الشيوعي الفرنسي، فظهر في إطار ما يسمى باسم "اتحاد الشعوب المستعمرة" الذي يضم في صفوفه العمال المهاجرين من مختلف المستعمرات، ويهدف إلى تكثيف الكفاح المناهض للإمبريالية على ضوء توجيهات الأممية الشيوعية الثالثة، وكان نجم شمال افريقيا يمثل التيار المنادي باستقلال الجزائر والمغرب العربي، فقد نشأ في بيئة غير البيئة الجزائرية، ولم يكن المنتمون إليه من النخبة أو الأوساط التقليدية المعروفة بمستواها الثقافي المرموق، بل نشأ بين أوساط عمالية تعيش حياة صعبة وتعرف كل أشكال الحرمان جراء هجرتها من بلدانها الأصلية تحت عامل الظلم والقهر .
o نشاط الأمير خالد في بلاد المهجر:
- o تزعم التيار الاستقلالي الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر الجزائري فقد بدأ العمل مبكرا مطالبا بالإصلاحات فقد قدم “لهريو” رئيس وزراء فرنسا عام 1924 مجموعة من المطالب لعل أبرزها:
- o إعطاء حق الانتخاب للجزائريين - الغاء سائر القوانين الجزرية والاستثنائية والمحاكم المختصة والرجوع إلى القوانين التابعة للحق العام - المساوا ة في الحقوق التامة مع الفرنسيين في المسائل العسكرية - الاعتراف بالحق للمسلمين الجزائريين في الوصول إلى كل درجات التوظيف العمومي - تنفيذ قانون التعليم الاجباري على سائر المسلمين وإعطاء الحرية للتعليم العربي الحر - حرية الصحف والتعبير والمؤسسات - اعلان العفو العام عن المساجين والحرية التامة للمسلمين في السفر، وحماية العمال، وفصل الدولة عن الكنيسة وعلى الشرع الإسلامي....الخ
- o من نجم شمال افريقيا إلى حزب الشعب الجزائري (1926-1937):
- o نشير إلى أن الفترة الفاصلة بين حل النجم 1929 وتأسيس حزب الشعب 1937 قد ظهرت تسميات كثيرة له، فالمناضلون كانوا دائما يحاولون إيجاد تغطية مناسبة لإخفاء نشاطهم، فبعد حل النجم نشطوا تحت اسم "جمعية نجم افريقيا الشمالية"، ثم "جمعية نجم افريقيا الشمالية المجيد" بعد ملاحقتهم من طرف الإدارة نشطوا تحت اسم" الاتحاد الوطني لمسلمي شمال افريقيا"، ثم "جمعية أحباب الأمة".
• القانون الأساسي لنجم شمال افريقيا 1926:
• هي جمعية لمسلمي المغرب والجزائر وتونس تأسست في باريس طبقا للقوانين المصادق عليها في الاجتماع العام المنعقد يوم الأحد 20 جوان 1926 بمركز الجمعية.
• وتهدف إلى تدريب مسلمي الشمال الافريقي على الحياة في فرنسا والتنديد بجميع المظالم أمام الرأي العام.
• ومع عدم انتمائها إلى أي حزب سياسي فهي تلتزم بتأييد كل حزب وكل شخصية سياسية تساعد على تحقيق برنامج مطالبها وقد قررت منذ تأسيسها توحيد العمل مع كامل منظمات الطبقة الشغيلة والفلاحية والشعوب المضطهدة.
• طالبت جمعية نجم شمال افريقيا بمجموعة من المطالب في قانونها من أبرزها:
• الغاء قانون الانديجينا مع جميع توابعه.
• حق الانتخاب والترشح في جميع المجالس.
• الغاء تام وعام لجميع القوانين الاستثنائية والمحاكم الزجرية والمراقبة الإدارية.
• نفس التكاليف ونفس الحقوق كالفرنسيين فيما يخص التجنيد وتوصل المسلمين لنفس الرتب العسكرية والمدنية.
• التطبيق العام لقانون التعليم الاجباري مع حرية التعليم لجميع الأهالي.
• حرية الصحافة والجمعيات، حرية التنقل، فصل الدين عن الحكومة الفرنسية، تطبيق قوانين العفو....الخ.
جرائد نجم شمال افريقيا:
• جريدة الإقدام الباريزي Likam de paris:من الواضح ان تسمية «الاقدام» على جريدة النجم هو محاولة لإحياء جريدة الاقدام الوطنية التي كان يصدرها الأمير خالد الهاشمي، والتي توقفت بعد ابعاد الأمير الى فرنسا عام 1923،صدرت من صحيفة « الاقدام الباريزي» ثلاثة أعداد: أكتوبر 1926/ نوفمبر وديسمبر 1926/فيفري1927،وكانت الجريدة أيضا تصدر باللغة العربية والفرنسية بمعدل صفحتين بكل لغة، وكانت لهجتها شديدة وتدعو المسلمين الشمال افريقيين الى الثورة ضد فرنسا ، لكن منعت بقرار وزاري بتاريخ1فيفري1927، لتظهر باسم جديد هو « الاقدام الشمال الافريقي».
• إقدام الشمال الافريقي:صدر منها ثلاثة اعداد خلال الأشهر التالية: العدد الأول ماي 1927/ العدد الثاني في جوان وجويلية 1927/ العدد الثالث أوت وسبتمبر 1927، ولم تكن لهجة « اقدام الشمال الافريقي» لتقل على حدة الاقدام الباريزي، فقد خصص عددها الصادر في ماي 1927 لفضح مساوئ الاستعمار الفرنسي، ونشرت في نفس العدد المطالب التي تقدم بها الشاذلي خير الله باسم تونس الى مؤتمر بروكسل المنعقد من 10-15فيفري1927 المناهض للاستعمار..وتضمن عدد جوان-جويلية 1927 بيانا باسم النجم موجها الى أبناء شمال افريقيا، والى المجندين منهم في الخدمة العسكرية بصورة خاصة، يدعوهم فيه للوقوف ضد الحرب التي تخوضها فرنسا واسبانيا ضد الشعب المغربي بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وهذا ما أدى إلى منع صدور الجريدة من طرف الإدارة أيضا، ولكن قيادة النجم اعادت إصدارها من جديد.
• جريدة الأمّــــة: أصدر النجم بعد ذلك جريدة الأمّة في أكتوبر 1930، والتي استمرت في الصدور بأشكال مختلفة إلى غاية 1939،واستعملت هذه الجريدة شعار الآية : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» مكتوبة داخل هلال، وتعلو الهلال نجمة مشعة، وفي اسفل الهلال مكتوبة جملة باللغة العربية: «جريدة وطنية وسياسية للدفاع عن حقوق مسلمي إفريقية الشمالية»، وماعدا ذلك فإن الجريدة كانت تصدر كلها باللغة الفرنسية،فقد دعا النجم سنة 1933 كلّ أهالي افريقية الشمالية أن يقرأوا جريدته الأمة لأنها: « تدافع عنكم، وتعلمكم، وتثقفكم، إنها ستكشف جميع الخونة وكل المتعاونين وكلّ أعداء وطننا وقضيتنا، إنها ستقودكم إلى الاتجاه الصحيح دون خوف أو هزيمة إنها ستصلكم بمعلوماتها بكلّ العالم الإسلامي...».
• دخول النجم الى الجزائر عام 1936:
بعد تجربة مرحلية للتيار الاستقلالي(نجم شمال افريقيا) دامت لعشر سنوات في بلاد المهجر دخلت قيادة الحزب الى الجزائر عام 1936 بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي حيث صرح رئيس الحزب مصالي الحاج بتاريخ 2أوت 1936 بالملعب البلدي للجزائر قائلا: هذه الأرض لا تباع ولا تشترى.
يتبع ...في نفس المدونة
لاتنسوا الاشتراك في المدونة لتجدوا كل الدروس